(جزء من كتاب التجربة الخيالية)
وجود (mentor) المناسب في شركتك يزيد فرص نجاحك بشدةٍ، لذلك فإن تخصيص الوقت وبذل الجهد في سبيل العثور على الشخص المناسب لهذه المهمة، هو أمرٌ سيعود بالنفع على شركتك أو مشروعك على المدى البعيد.
ال(mentor) المناسب سيساعدك في اتخاذ قراراتٍ جيدةٍ تتعلّق باتجاه شركتك والأفكار التي يتعيّن عليك السعي لتنفيذها، وسيرشدك إلى الأخطاء الشائعة في التنفيذ، كما أنه سيشارك بشبكة علاقاته في توصيلك بالأشخاص المطلوبين لنجاح مشروعك، كما أنه سيقوم باختبار الافتراضات التي اتخذت قراراتك بناءً عليها (challenge your assumptions) وسيجعلك تعيد التفكير في قراراتك طبقًا لأية معطياتٍ جديدة.
البحث عن (mentor) مناسبٍ في مصر عمليةٌ شاقةٌ ومتعبةٌ؛ وذلك في رأيي لنقص الكوادر القادرة على إضفاء قيمةٍ حقيقيةٍ لشركتك. ستجد الكثير من مدّعي المعرفة بعالم الشركات الناشئة وريادة الأعمال (entrepreneurship)، والقليل من القادرين علي بذل النصيحة القيمة، أو منحك وقتًا كافيًا للاستماع إلى مشاكلك والتفكير في حلها. أضف إلى ذلك أن التمييز بين الصنفيْن أمرٌ صعبٌ، خصوصًا لمن كان حديث العهد بتجارب الشركات الناشئة. ففي تجربة ’خيال‘ مثلًا، تعلّمنا أن نلتزم الحذر حين يكون من يقدّم لنا النصيحة واحدًا من النماذج التالية:
العارف بكل شيء (Mr. Know it all)
إنّ الشخص القادر على الإدلاء بدلوه، أو تقديم الفتوى في كل فنٍ وشأنٍ هو شخصٌ يجب أن تأخذ نصائحه بعينٍ ناقدة. ستجد هذا النوع منتشرًا بين خبراء التنمية الذاتية، و“خبراء” التسويق، والأشخاص الذين يعتمد عملهم اليومي بشكلٍ مباشرٍ على إسداء النصائح للآخرين وتوجيههم. عالم الشركات الناشئة هو عالمٌ معقّدٌ وصعبٌ، ولن تجد من يقدّره إلا إن كان قد جرّبه أو رآه عن قرب.
رجل الأعمال المزيف (The fake business guy)
ينتشر هذا النوع في مصر بشدةٍ، وهو عادةً شخصٌ لا يملك أي مؤهلٍ للإدلاء بدلوه سوى أنه يدّعي فهم عالم المال والأعمال. وعادةً ما يلجأ هذا الشخص إلى محاولة تهميشك، والتحقير من شأنك والتقليل من قدراتك، وذلك بادعاء أنك مجرد مطوّر برمجياتٍ، أو أنك صغير السن، ومن ثمّ فإنك )لا تفهم في عالم الأعمال(. قبل أن تقبل النصيحة المقدمة من هذا النوع، تحقّق من خبرته الفعلية في عالم الأعمال، وذلك عبر مراجعة سيرته الذاتية، أو محاولة تتبّع تاريخه المهني، فإن لم تجد ما هو مثيرٌ فخذ النصيحة بعينٍ ناقدة.
الأكاديمي القُحّ (The purely academic professor)
هذا النوع هو من الأنواع التي يصعب معرفة إن كان يمكنه إضافة قيمةٍ حقيقيةٍ إلى شركتك، ولكن ببساطةٍ، خذ حذرك من الأستاذ الجامعي الأكاديمي الذي لم يشتبك بالحياة العملية لأنه أحيانًا يميل إلى الإفراط في التنظير، وما يُطلق عليه بالإنجليزية analysis paralysis أي تحليل الأمر بصورةٍ مبالغٍ فيها قد تمنعك من الإقدام على أية خطوةٍ عملية.
موظفو الشركات متعددة الجنسيات (The multinational guy)
أحيانًا تميل الشركات الكبرى إلى تطوير قدرات موظفيها بشكلٍ رأسيٍ؛ أي أنها تستثمر في تعليم الموظفين وتطويرهم حتى يصبحوا خبراء على مستوىً عالٍ جدًا فى أحد التخصصات الضيقة، فيتحوّل الموظّف إلى خبيرٍ على مستوىً عالميٍّ فى تخصصٍ واحدٍ، لكنّه يفتقد الصورة الكبيرة؛ مثل كيف يعمل ما قام بتطويره في المنتج النهائي، أو ما هي قيمة ما طوّره بالنسبة للمستخدم، أو كيف يجري بيع المنتج، أو من هم عملاؤه، وكيف يمكن الوصول إليهم، أو كيف يجري التسويق، أو ما هو نموذج التربّح التجاري (business model) إلى آخر هذه التفصيلات.
يتطلّب إنشاء شركةٍ صغيرةٍ شخصًا متعدّد القدرات، واسع المعرفة، مطلعًا على التخصصات المختلفة. قد لا يكون هذا الشخص واسع الإلمام بكل هذه التخصصات، لكنّه يعرف ما يكفيه ليدرك ما لا يعرفه فيها، فيعمل على سد هذه الثغرات المعرفية، ويكون ذلك عادةً بتعيين الأشخاص المناسبين أو استدعاء خبراتهم.
قد ينبهر رائد الأعمال (entrepreneur) المبتدئ أحيانًا بموظفي الشركات الكبيرة مثل ’مايكروسوفت‘ (Microsoft) أو ’جوجل‘ (Google) أو ’فيسبوك‘ (Facebook) ولكن في بعض الأحيان يجب توخي الحذر كما تقدّم عند الاستماع إلى نصائح عامةٍ منهم.
المبشّرون بريادة الأعمال (entrepreneurship)
ستواجه في رحلتك أشخاصًا لا همّ لهم سوى الحديث عن ريادة الأعمال (entrepreneurship)، ودعوة الشباب إلى إنشاء مشاريعهم، والظهور في المؤتمرات الخاصة بالشركات الناشئة، والتحدث إلى وسائل الإعلام. خذ حذرك من هذا النوع؛ لأنه عادةً ما يعطي الكثير من التشجيع غير الواقعي، دون أن يعطيك النقد الإيجابي الواقعي اللازم لبناء شركتك. أحيانًا تجد هذا النوع من الأشخاص في الشركات الكبرى، وهنا يجب عليك أن تبحث لتفهم الدوافع التي تدفع تلك الشركة الكبري إلى هذا العمل، ومقدار ما تحمله هذه الدوافع من ضررٍ أو نفعٍ لشركتك. أرى في مصر مثلًا، عددًا من الشركات التي تحاول دفع الشركات الناشئة إلى تطوير تطبيقاتٍ تعمل على منصّاتها، أو هواتفها المحمولة، وقد يكون واقع السوق أحيانًا مغايرًا تمامًا للاتجاهات التي تدفعك إليها هذه الشركات.
الناجح الذي لا يعرف لماذا نجح
سيصادفك أحيانًا أشخاصٌ ناجحون في عالم الشركات الناشئة، ولكنهم نجحوا نجاح الصدفة، أو توافقت الظروف في لحظةٍ زمكانيةٍ بعينها فجعلتهم ناجحين. ستجد نصائح هذا النوع دائمًا على غرار (ابني منتج كويس والناس هتجيلك) أو كما يُقال بالإنجليزية “build it and they will come”.
قد تبدو القائمة السابقة طويلةً ومحبِطةً، ولكن كما قلت سابقًا، البحث عن (mentor) هو عمليةٌ صعبة ٌفي مصر، ومما يزيدها صعوبةً هو أنّ الشخص الذي يستطيع إضفاء قيمةٍ حقيقيةٍ لشركتك هو عادةً شخصٌ ناجحٌ جدًا لا يملك الكثير من الوقت. أكرّر، البحث عن ال(mentor) المناسب قد يكون سببًا رئيسيًا في نجاح شركتك أو فشلها.